Master Scene
العرض الأكثر تعقيداً على مستوى العناصر والأداء الفني/ المسرحي بالأساس

حقيقي أن الشكل النهائي الذي خرج عليه هذا العرض كان متماسك للغاية، إلا أن عدد المفارقات التي حدثت في كواليس العرض لم تكن لتنتهي، نذكر مشهد خروج المجاميع في نهاية المسرحية الذي لم يتم مع نطق الممثل على المسرح بلفظة "السهام" المتفق عليها،
المجموعتان (يمين - يسار) كلٌ كانت بانتظار تحرك المجموعة المقابلة، وضع المخرج في مقدمة المجموعة "يسار" مصطفى السيد، ولم يكن يعلم أنه لا يرى بوضوح، وبالفعل لم يستجب مصطفى لأي من الايماءات أو الاشارات بالخروج من الكالوس المقابل

(اسلام رمضان - مخرج عرض محمد مجدي- مسكوه وحفظوه حوار دقيقتين ورموه على خشبة المسرح، وماحدش أخد باله،
حتى
أحمد سمير المؤلف اتاخد من وسط الجمهور علشان يمثل شخصية الراوي الأخير في المسرحية، أظن واضح طبعا، الممثل الوحيد اللي بيقول وصوته مش طالع)


وماتت النخلة محترقة

تأليف/ أحمد سمير

أداء/ ابراهيم العجان - محمد شعبان – خالد عبد الفتاح – محمود تايجر – اسلام رمضان

إخراج/ شريف عبد الخالق






شمخت النخلة بساقها عالياً. سعفها المستعرض يناطح السحاب. كانت أزلية الوجود. أول ما خُلِق علي الأرض, ثم ومن حولها تكونت عناصر الأشياء. شجرة مباركة, مر بها الأنبياء وتمخضت عنها البركات.
وقف الحياة علي خدمة الشجرة نعمة لم تنلها إلا عائلة مصطفاة. يرث ربها شأن الخدمة حتى يموت ثم يورثه لمن تلاه في المكانة.

في الطرقات سار إسماعيل. يسترشد بمخطط رسمته في ذهنه توصيفات أبيه. يجري أحياناً بعض التعديلات في مخططه و في اتجاه سيره بناءً علي بعض الاستفسار.
يقف حائراً. يتلفت يميناً ويساراً. يجول قليلاً في الطرقات المجاورة, يعود لنفس المكان. يتلفت يميناً ويساراً.
لا أثر للنخلة المباركة.
من غير الممكن ألا يكون هذا مكانها. بالتأكيد الزمن قد طبعه ببعض التغيير, لكنه المكان الأقرب.
يستوقف بعض السائرين, يصف لهم النخلة. يسألهم عنها. فقط علا وجوههم جميعاً الأسف علي عدم قدرتهم علي إرشاده.

من بين أنفاس واهنة يترصدها الموت يهمس أبوه:
- كنت خادم النخلة.... وكنت شاب عاوز يجري ويجري.... سبت الخدمة المبروكة وخدتني الدنيا ..... وصيتي لك ترجع للنخلة.... تخدم وتنول الفضل وتدعي لي.

متعباً يقصد أقرب ظل إليه. يجلس في كنف شجرة توت. يشرد, عيناه متطلعتان فيما وراء الأفق.
ينتفض لملامسة العصا ساقيه, الصوت المتهدج للعجوز.
- هو أنت ابن مين يا وِلد؟!!
عيناه تمسحان الوجه الناحل الأسمر المتغضن, العينان وقد غطت سحابة بيضاء معتمة منتصفهما اللامع الشفاف. رجلاه من تحته وقد قُطعت احداهما أعلي الركبة.
- أنا غريب اسمي إسماعيل..... جيت أدور علي نخلة مبروكة.... أبويا كان خادم عليها.
انتظر طويلاً الاستماع إلي أي رد.
- هه... يا وِلد ماقولتش أنت مين؟!!
- أنا إسماعيل يا عم الحاج... غريب...
- تعرف يا بني .... زمان ..... زمان قوي.... هو أنت صحيح اسمك إيه؟!....
زمان كنت ماشي الفجر في الشارع بصيت لقيت عامود نار... عامود ماسك في النخلة البركة.... صرخت واتلمت الناس وجت المطافي.... صحيح يا ابني هو أنت اسمك إيه؟!
- أنا إسماعيل يا عم الحاج.... إيه اللي حصل للنخلة؟!....
- نخلة إيه؟!!.....

يسحب إسماعيل رشفة من كوب الشاي , ثم يعود للتحديق في أوراق الملف.
بين المكاتب الحكومية دار كثيراً. القضايا التي حُفِظ التحقيق فيها تعدم بعد فترة. حاول الاعتماد علي ذاكرة الموظفين. في نهاية المطاف وجد رأساً يهتز مؤيداً لروايته. موظف لم يكن الملف فقط في حوزته, بل احتفظ به لطرافته كذلك.
قضية وملف من مئات الصفحات لأجل نخلة تحترق.

" س: أنت ليه حرقت النخلة؟!
ج: أنا ما حرقتش حاجة
س: تنكر إنك كنت متعود تاكل من بلحها الواقع علي الأرض.... وإنك من يومين ما لقيتش علي الأرض أي بلح فرميتها بالحجارة .... نزلك البلح مرة واثنين.... بعدين في مرة من المرات الحجر خبط في جذعها ورد في دماغك فتحها.
ج: يا سعادة البيه....أنا راجل عاجز, رجلي مقطوعة... هاحرقها ليه؟!! "

أمضي جل يومه الأول إلي جوار العجوز يجمع شذرات حديثه.
رجال المطافئ حاولوا السيطرة علي عامود النار لساعتين كاملتين.
الشرطة طوقت المكان.
المحقق سأل الناس حتى عن عدد مرات مضاجعتهم لزوجاتهم.

يعترض طريق المهندس حسن.
- عم الشيخ القاعد تحت شجرة التوت بيقول: انك يوم ما اتحرقت النخلة المبروكة كنت بتعيط بالدم ... وانك أكيد فاكر اليوم ده.... علشان لما اتحرقت ضاع كل اللي كنت بتحفر وتخبيه تحتها.
- نخلة إيه يا أستاذ؟!!
- النخلة اللي حضرتك كنت بتلعب عندها أستغماية وانت صغير.
- أستغماية إيه يا أستاذ؟!!.... ده راجل مخرف.... ما لوش سيرة غير الحكاية العجيبة دي... عيالنا واحنا كمان لما كنا عيال.... ما لعبناش أستغماية غير حوالين شجرة التوت... وعمر ما كان فيه نخلة في يوم من الأيام.

" س: أنت ليه حرقت النخلة؟!!
ج: يا بيه والله ما حرقتها...
س: تنكر إن ابنك حاول يطلع النخلة ووقع من فوقها.... وفضل كام يوم بين الحياة والموت.
ج: ولولا بركتها كان مات يا بيه... ده مقدر يا بيه وهي اللي حمته من الموت. "

" س: أنت ليه حرقت النخلة؟!
ج: وهاحرقها ليه؟!
س: يا سعيد ما فيش حاجة بتستخبي... تنكر إنك كنت بتقابل حبيبتك في السر عند النخلة... و إنها اتخطبت لغيرك من كام يوم... وانك حرقت النخلة علشان ما تبقاش حاجة تفكرك بيها.
ج: أنا برئ... والله برئ... وبعدين ده اللي يمس المبروكة تنخسف به الأرض. "

" س : أنت اللي حرقت النخلة .... حمارتك كلت من بلحها وماتت مسمومة.
ج: يا بيه الشجرة مبروكة وبلحها مبروك..."

يطوف علي جميع أهل المكان يسألهم عن النخلة المباركة.
لا أحد يدرك وجودها.
بائع الخضر لم يربط حمارته يوماً لغير شجرة التوت, الحمارة لا تأكل إلا التوت من الأرض. الصبيان لم يتنافسوا يوماً إلا علي تسلق جذع شجرة التوت. جذع شجرة التوت هو الجذع الوحيد الذي حمل أسماء العاشقين والقلوب التي تخترقها السهام.

الجرافة تقف في وضع التأهب للانطلاق. تنفث دخانها الضبابي. محركها يزمجر.
النخلة المتفحمة باتت تقف كلطخة سوداء, صادمة, جاثمة علي الصدور.
الجرافة تصطدم بالنخلة المترمدة, تنزعها.
الأرض تتزلزل, الهواء يتخلخل, الفضاءات تردد الصراخ.
من خلف الجرافة وقد حملت النخلة سار الجميع.
وقفوا يرقبون إهالة التراب عليها, العيون ملآنة بالدموع.

شجرة التوت أزلية الوجود. أول ما خُلِق علي الأرض, ثم ومن حولها تكونت عناصر الأشياء. شجرة مباركة, مر بها الأنبياء وتمخضت عنها البركات.
وقف الحياة علي خدمة الشجرة نعمة لم تنلها إلا عائلة مصطفاة. يرث ربها شأن الخدمة حتى يموت ثم يورثه لمن تلاه في المكانة.
تحت الشجرة جلس إسماعيل خادماً لبركتها المهداة, منفذاً لوصية أبيه. عيناه تتطلعان إلي عجوز خرف. وجهه ناحل أسمر متغضن, عيناه غطت سحابة بيضاء معتمة منتصفهما اللامع الشفاف. رجلاه من تحته قُطعت احداهما أعلي الركبة. العجوز يبحث بيده في الأرض من حوله عن التوت المبارك. لسانه لا يفتأ يردد حكايات لا أصل لها عن نخلةٍ لم توجد يوماً.

Posted by مرسلة بواسطة مها مصطفى
Categories:

 

0 التعليقات:

 
>